"تأملات في سورة البقرة" لفضيلة الدكتور محفوظ محمد الأمين

"تأملات في سورة البقرة" لفضيلة الدكتور محفوظ محمد الأمين لا شك أن سورة البقرة سورة عظيمة جدا، وهي أطول سورة في كتاب الله تعالى حيث اشتملت على مائتين وست وثمانين آية وفيها أعظم آية وهي آية الكرسي، وفيها أيضا أطول آية وهي آية الدين، وهي مدنية، وهي أول سورة في المدينة ما عدا قوله تعالى د: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾. وهذه السورة نزلت في عرفة في آخر في آخر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في فضلها أنها تطرد الشيطان، وقد ورد في الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تجعلوا بيوتكم مَقَابر، إنَّ الشيطان يَنْفِرُ من البيت الذي تُقْرَأُ فيه سورةُ البقرة». كما في صحيح مسلم. وهي تحفظ من الشرور وتقي من السحرة ففي حديث أمامة الباهلي رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ، وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ». وهناك أحاديث كثيرة في فضل سورة البقرة ذكرت ماسلف منها على سبيل المثال لا الخصر. وقد قال في فضلها أبوبكر ابن العربي في كتابه أحكام القرآن: سمعت بعض أشياخي يقول: فيها ألف أمر، وألف نهي، وألف حكم، وألف خبر، ولعظمها أقام عبد الله بن عمر ثماني سنين في تعلمها وهذه السورة تتكلم عن حوالي أربعة أمور: 1- دعوة الناس إلى دين الإسلام: وهذه مهمة الرسل كلهم ولا تكاد تخلو سورة منها. 2 - الحديث عن أهل الكتاب مالهم وماعليهم: وذلك بحديثها عن المراحل التي مروا بها، وعن من أطاع منهم الله سبحانه وتعالى واستجاب وصدق بدعوة رسوله الذي أرسله إليهم، وعن الذين عصوا الله وعصوا رسوله، وكذلك عمن قتلوا الرسل. وقد جاءت هذه السورة بحديث مسهب مفصل عن أهل الكتاب. 3- الحديث عن بعض شرائع الإسلام: اشتملت هذه السورة على كثير من شرائع الإسلام كبعض أحكام الصلاة، وبعض أحكام الحج، وبعض أحكام الزكاة، وفيها الصوم وتفاصيله، والنكاح وبعض مسائله والبيوع، وفيها مسائل كثيرة من العقائد وخاصة ما يتعلق منها بالبعث بعد الموت كما سأبينه. 4- الحديث عن الوازع الديني: تحدثت هذه السورة أيضا عن الوازع الديني الذي يدفع المسلم إلى طاعة الله عز وجل. وقد جاء البعث في هذه السورة في خمسة مواضع يذكر في كل موضع منها ذكر الحياة بعد الموت كنموذج للحياة الباقية، وهذه المواضع هي: أ - قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾. ب- قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾. ج- قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾. د- قوله تعالى: ﴿ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير﴾. هـ - قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾. وهذه المواضع الخمسة لا توجد في أي سورة من سور القرآن كدليل على البعث إلا في هذه السورة العظيمة، ولهذا فإن سورة البقرة سورة عظيمة وهي في خمسة أحزاب تقريبا وينبغي أن نتعلمها ونبذل أقصى ما بوسعنا في سبيل ذلك ونتأسى بعبد الله بن عمر بن الخطاب وهو من هو حيث مكث في تعليمها وتعلمها ثماني حجج، ولذا فإني أوصي إخوتي جميعا - وأخص من لا يحفظون القرآن- بتعلم هذه السورة العظيمة وأن يقرؤوها وقد يتسنى لهم ذلك في فترة وجيزة فهي أربعون ثمنا، أو تسعة وثلاثون باعتبار بقية الثمن الأكثر من السورة الموالية، ولذا فإنه من الممكن تعلم هذه السورة في تسعة وثلاثين يوما، وذلك لأن نقرأها ونصححها على أحد الشيوخ، أو نستمع لقراءتها من أحد القراء الذين يقرؤون قراءة جيدة، ولا شك أن هذه فترة وجيزة من حياة الإنسان تمكنه من حفظ هذه السورةالعظيمة التي فيها آية الكرسي التي هي أعظم آية وذلك لكثرة ماورد عن فضلها: من ذلك أن من قرأها عند نومه لا يقربه شيطان ولا إنس حتى يصبح ولا يزال عليه من الله حافظ حتى يصبح ، وهذا شيء مشاهد ومؤكد والأحاديث كلها صحيحة. وهذه خلاصة ما أردت ذكره في هذه السورة العظيمة وأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.